الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

خطورة التسرع في الفتوى

21018

تاريخ النشر : 27-08-2001

المشاهدات : 30073

السؤال

يوجد بعض المفتين في بعض القنوات الفضائية يجيبون على جميع الأسئلة دائماً بلا استثناء ، وبعض الناس في بعض المجالس إذا طرح سؤال يتسابقون للإجابة عليه وكل واحد يريد أن يتكلم قبل الآخر ، فما حكم الشرع في هذا العمل ؟.

الجواب

الحمد لله.

قال ابن القيم :

وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره : فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى . وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراه قال في المسجد ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا  وقال الإمام أحمد : حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه ، ولا يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه .

وقال مالك عن يحيى بن سعيد إن بكير بن الأشج أخبره عن معاوية بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر ، فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال : إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا فماذا تريان ؟ فقال عبد الله بن الزبير : إن هذا الأمر ما لنا فيه قول ، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ائتنا فأخبرنا ، فذهبت فسألتهما فقال ابن عباس لأبي هريرة : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة ، فقال أبو هريرة : الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره .

وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال : قال ابن عباس : إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون ، قال مالك : وبلغني عن ابن مسعود مثل ذلك ، رواه ابن وضاح عن يوسف بن عدي عن عبد بن حميد عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله ، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن عبد الله .

وقال سحنون بن سعيد : أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما ، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه .

قلت : الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته ، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم ، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه ، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا ، وقد تقدم أن فتاواه جمعت في عشرين سفرا ، وكان سعيد بن المسيب أيضا ، واسع الفتيا ، وكانوا يسمونه ( بالجريء ) كما ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال : كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا ، قال : وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجريء .

وقال سحنون : إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء ، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر ؟ فلم ألام على حبس الجواب ؟ وقال ابن وهب : حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين قال : قال حذيفة : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة : من يعلم ما نُسخ من القرآن ، أو أمير لا يجد بُدّا ، أو أحمق متكلف ، قال : فربما قال ابن سيرين : فلست بواحد من هذين ، ولا أحب أن أكون الثالث .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: " إعلام الموقعين " ( 1 / 28 ، 29 )